الاقتصاد اليمني في خطر و 35 % من كبرى الشركات تغلق أبوابها

عدن الحدث

على مدى الأعوام الأربعة الماضية، وتحديداً منذ انقلاب الميليشيات الحوثية على السلطة وبسط سيطرتها على العاصمة ومدن يمنية أخرى، دخل الاقتصاد اليمني في أتون أزمات متعددة، وشهد خلالها تدهوراً حاداً نتيجة ممارسات النهب والتدمير الممنهج الذي انتهجته الميليشيات طوال فترة الانقلاب. عشرات التقارير والدراسات المحلية والدولية، تابعتها ونقلت عنها «الشرق الأوسط»، تأكيداتها أن يوم 21 من سبتمبر (أيلول) 2014 شكّل نقطة تحول سوداء في الواقعين السياسي والاقتصادي في اليمن. وقالت إن الانقلاب الحوثي على السلطة أوجد وضعاً جديداً اتسم بالتردي غير المسبوق في الحالة الاقتصادية اليمنية، وأن الاقتصاد هوى تحت الميليشيات التي لم تكتفِ بذلك وحسب، بل سيّسته انطلاقاً من شتى أنواع الإتاوات، تحت تسمية «المجهود الحربي»، وليس انتهاء بحرمان عشرات الآلاف من موظفي دولي دخلهم الشهري لما يربو على عامين، لمجرد تحميل الحكومة مسؤولية نقل البنك المركزي اليمني الذي نهب الحوثيون منه أكثر من 3 مليارات دولار. وأشارت التقارير إلى أن ميليشيات الحوثي، وفي مشروعها التدميري للاقتصاد اليمني، انتهجت خطة تشبه بكثير من تفصيلاتها منهج «الحرس الثوري» في إدارته للمؤسسات الموازية في إيران. ولفتت إلى أن الانقلاب أثّر بشكل سلبي ومباشر على الاقتصاد اليمني، وعمل على انهيار العملة الوطنية، وتسبب في ارتفاع معدلات التضخم، وأدى إلى تدهور الخدمات الاجتماعية، وشبكات الأمان الاجتماعي، ومخصصات الفقراء. وقالت التقارير والدراسات إن ميليشيات الحوثي عملت طيلة فترة انقلابها وبخطى متسارعة وممنهجة على استنزاف الاحتياطي من النقد الأجنبي والتوقف عن دفع المرتبات الأساسية للموظفين، وفتح أسواق سوداء للمشتقات النفطية وبيعها بأسعار مرتفعة، وفرض ضرائب وجمارك جديدة على القطاع الخاص. وخلصت معظم تلك التقارير، إلى أن الاقتصاد اليمني شهد، منذ انقلاب الميليشيات، انهياراً قياسياً على جميع المستويات، وأدت تبعاته إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة ومؤشرات الجوع وتفشي الأمراض والأوبئة. ونقلت «الشرق الأوسط»، عن اقتصاديون محليون،حديثهم عن حالة التدهور المريبة التي شهدها الاقتصاد اليمني، والتي جاءت نتيجة الانقلاب الحوثي على السلطة. وأكدوا أن الانقلابيين انتهجوا في تدميرهم الاقتصاد اليمني وإدارة الأسواق السوداء البديلة خطة تشبه في كثير من تفصيلاتها منهج «الحرس الثوري» في إدارته للمؤسسات الموازية في إيران، مؤكدين أن هذه الأسواق ليست سوى نموذج بسيط لهذا التدمير الممنهج. وقال الاقتصاديون إن «النشاط الاقتصادي في اليمن لم يعد سوى اقتصاد حرب كما لم يعد هناك مشروع دولة، بل مشاريع صغيرة تقف خلفها ميليشيات الحوثي ذراع إيران في اليمن». وأشاروا إلى أن الميليشيات ومنذ سيطرتها المسلحة على العاصمة، ومدن يمنية أخرى سعت جاهدة للقضاء على الاقتصادي اليمني، وأسَّست مقابل ذلك مراكز اقتصادية جديدة تكنّ الولاء الطائفي لها. وفيما أشار الاقتصاديون إلى عدم وجود إحصائيات دقيقة لحجم الخسائر الاقتصادية في اليمن، قالوا بالمقابل إن بعض التقديرات المحلية تؤكد أن البلاد تكبدت خسائر اقتصادية جسيمة تفوق في تقديراتها الأولية الـ100 مليار دولار. وعلى مدى سنوات الانقلاب، نفذت الميليشيات حملات ميدانية لجمع الضرائب والجمارك والإتاوات غير القانونية من التجار والشركات ومراكز التسوق، الأمر الذي أجبر عدداً من رؤوس الأموال على مغادرة مناطق سيطرة الميليشيات، فيما دفع الإفلاس مستثمرين آخرين إلى إغلاق شركاتهم ومتاجرهم. وكبد انقلاب الميليشيات الشركات المحلية خسائر فادحة، حيث أظهرت النتائج الأولية لمسح حديث أجراه البنك الدولي في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 أن ما يقرب من 35 في المائة من الشركات اليمنية أغلقت أبوابها، فيما عانى أكثر من 51 في المائة من الشركات الناجية من تضاؤل حجمها وتراجع أعمالها. وفي مطلع الأسبوع الماضي، كشف تقرير حكومي حديث أن انقلاب الحوثيين وتداعياته بالحرب المستمرة لأكثر من أربعة أعوام ألحقت بالاقتصاد اليمني خسائر قدرت بـ54.7 مليار دولار، وقال أحدث تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء، إن إجمالي خسائر اليمن في انخفاض الناتج القومي يتجاوز 54.7 مليار دولار خلال الأربعة أعوام من 2015 إلى 2018، مقارنة بسنة الأساس عام 2014. وأوضح أن من آثار الانقلاب والحرب، انكماش متوسّط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية من نحو 1287 دولاراً عام 2014 إلى 385 دولاراً عام 2018، بمعدل تغير تراكمي 70 في المائة... مبيناً أن هذا الانكماش يعني انزلاق مزيد من المواطنين تحت خط الفقر الوطني المقدر بـ600 دولار للفرد في العام. وأظهرت تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء ارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 90 في المائة نهاية 2018 مقارنة بـ49 في المائة عام 2014، وتدنياً مزمناً في نصيب الفرد اليمني من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية مقارنة بمتوسط دخل الفرد في العالم ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك دول مشابهة لوضع اليمن، مثل ليبيا والسودان. وأفاد التقرير بأن الاقتصاد اليمني سجل انكماشاً تراكمياً كبيراً في الناتج المحلي الإجمالي في أعوام 2015، و2016، و2017. و2018. وقال: «انخفض الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015 إلى 24.8 مليار دولار مقارنة بـ31.7 مليار دولار عام 2014، بينما انخفض إلى 17.6 مليار دولار في عام 2016، وإلى 15.3 مليار دولار في عام 2017، وإلى 14.4 مليار دولار في عام 2018». ونبه التقرير إلى أن هذا الانخفاض والخسائر في الناتج المحلي الإجمالي لليمن مرشحة للارتفاع في ظل استمرار الحرب وانقلاب ميليشيات الحوثي. وبين أن انقلاب الميليشيا وتداعياته ألحقت أضراراً مباشرة علي رأس المال المادي والبشري فضلاً عن تسببه بنزوح ملايين اليمنيين داخلياً وخارجياً، بجانب دفع الكفاءات ورأس المال للهجرة، وكذا زعزعة الثقة في مستقبل الاقتصاد اليمني. ولفت إلى أن الانقلاب وما أفرزه من حرب لعدة سنوات تسبب أيضاً بحدوث أزمة سيولة حادة للقطاع المصرفي، وعجز في الموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى تعميق انكماش الناتج القومي الإجمالي. وأشار إلى أن الميليشيات تركت معظم موظفي الدولة والمتقاعدين من دون رواتب لنحو ثلاث سنوات، وتسببت في تعثر برامج الخدمات العامة، وتعطيل كثير من الأنشطة الاقتصادية والخدمات العامة، وعلى رأسها الكهرباء والنفط والغاز، التي كانت تمثل أهم روافد الاقتصاد الوطني. ومتابعةً لمسلسل الجرائم الحوثية التي ارتُكِبت في حق الاقتصاد اليمني، فقد أكد تقرير أممي حديث أن انقلاب الميليشيات الحوثية على السلطة الشرعية كبد الاقتصاد اليمني خسائر بالغة بلغت 89 مليار دولار. وأضاف أن الحرب التي أشعلتها ميليشيا الحوثي قبل أكثر من 4 سنوات في اليمن تسببت في تراجع التنمية البشرية بمقدار 20 عاماً. وقال التقرير الأممي الصادر مؤخراً عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: «لو تحقق السلام غداً، فقد يستغرق الأمر عقوداً حتى يعود اليمن إلى مستويات التنمية السابقة، هذه خسارة كبيرة للشعب اليمني». ومع الانقلاب الحوثي «لم تتعطل التنمية البشرية في اليمن فحسب، لكنها تراجعت بالفعل سنوات إلى الوراء»، كما أكد سابقاً الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن أوك لوتسما. واستند التقرير إلى «دراسة أعدها فريق من الباحثين من جامعة دنفر في الولايات المتحدة الأميركية»، تناولت بالبحث انعكاسات الأوضاع في اليمن على مسار تحقيق أولويات التنمية التي اعتمدتها الدول الأعضاء في خطة 2030 للتنمية المستدامة. وتوقعت الدراسة أنه إذا ما انتهى الصراع خلال عام 2019، فسيبلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية نحو 88.8 مليار دولار، ويعني ذلك انخفاضاً قدره 2000 دولار في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي. وقالت: «إذا ما انتهت الحرب عام 2022. فسيبلغ معدل التراجع في مكاسب التنمية نحو 26 عاماً، أي ما يقارب جيلاً بأكمله، وإذا ما استمرت الحرب حتى عام 2030 فسيتزايد معدل النكوص إلى 4 عقود». وخلص التقرير إلى أنه على المدى البعيد «ستكون لهذا الصراع الذي تسببت فيه ميليشيا الحوثي آثار سلبية واسعة النطاق». وفي أواخر فبراير (شباط) الماضي كشف تقرير حديث لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، عن رصد سلسلة من الإجراءات والسياسات الاقتصادية التي انتهجتها ميليشيات الحوثي لتقويض جهود الحكومة الشرعية في تحسين الوضع الاقتصادي ورفع قيمة العملة الوطنية. وأوضح التقرير أن ميليشيات الحوثي في صنعاء ومع بدء البنك المركزي الحكومي في عدن بتوزيع الأوراق النقدية الجديدة من فئة 500 ريال و1000 ريال خلال 2017م و2018م، قامت الميليشيات بحضر تداول الفئات النقدية الجديدة في صنعاء ومناطق سيطرتها. وكثف الحوثيون من حملاتهم خلال 2018، لتنفيذ حضر تداول الفئات النقدية الجديدة، عبر حملة تفتيش واسعة على مصارف وبنوك ومحلات صرافة وشركات ومتاجر وجرى اختطاف صرافين وحجز مبالغ كبيرة من الفئات الجديدة. كما تطرق التقرير الذي يسرد حصاد عام 2018م، إلى أن قطاع الرقابة بالبنك المركزي في صنعاء الخاضع للحوثيين، حذّر المصارف من بيع العملة الأجنبية أو شراء العملات الأجنبية من مناطق اليمن الواقعة خارج سيطرة الحوثيين، ومنعت الحوالات المالية التي تزيد على 5 ملايين ريال من مناطق الحكومة من دون موافقة من البنك المركزي الخاضع لسيطرتهم بصنعاء. ولفت إلى تعرض البنوك التجارية في صنعاء لتهديدات حوثية بالانتقام إذا ما استجابوا لتعليمات حكومية بمرسوم رقم «75»، من شأن تلك التعليمات أن تلحق خسائر بمستوردين الوقود المقربين من الحوثيين، موضحاً أنه ونتيجة لأن جميع البنوك التجارية السبعة عشر في اليمن، باستثناء واحد منها، تتخذ من صنعاء مقراً رئيسياً لها، فإن ميليشيات الحوثيين تتمتع بنفوذ كبير للضغط عليها. وأوضح التقرير أنه جرى بين يوليو (تموز) 2015 وأوائل عام 2018 تعويم استيراد الوقود، الذي كان يخضع كلياً في السابق لشركة النفط اليمنية الحكومية، في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، وقد سمح ذلك بدخول عدد من مستوردي الوقود الجدد إلى السوق بشروط جيدة مع ميليشيات الحوثيين، مع الحصول وبشكل سريع على حصة من السوق، وهو ما وفر للميليشيات فرصة أكبر لاحتكار توزيع وبيع الوقود. وكان وزير التخطيط والتعاون الدولي في الحكومة اليمنية نجيب العوج، أكد في السابق أن الاقتصاد اليمني خسر نحو 50 مليار دولار، بسبب الحرب التي اندلعت مطلع عام 2015. وقال في تصريحات سابقة إن مئات الآلاف من العاملين بالقطاع الخاص فقدوا وظائفهم، نتيجة تراجع الإنتاج. وأشار إلى أنّ «تراجع الإنتاج تسبب في فقدان المواطن نحو ثلثي دخله، نتيجة ارتفاع التضخم وتراجع قيمة العملة الوطنية، وارتفاع نسبة الفقر إلى نحو 78 في المائة من السكان، كما يعاني نحو 60 في المائة من السكان انعدام الأمن الغذائي». وأوضح أن هناك تدهوراً حاداً بمنظومات الخدمات الأساسية، خصوصاً خدمات المياه والصحة والكهرباء والتعليم وغيرها، وأن 22 مليوناً من السكان بحاجة إلى مساعدة إنسانية، بينهم نحو 3 ملايين نازح داخل البلاد.