رجال في ذكرة التاريخ

نجيب يابلي
 

1 - الشيخ عبدالله عبيد باصلعة:

**الميلاد والنشأة

تشمل الشحر مدنا منها: الشحر والديس والحامي والريدة وقصيعر وغيل بن يمين، والشيخ عبدالله عبيد بن سعيد باصلعة من مواليد الديس الشرقية، سلطنة حضرموت القعيطية عام 1912م، وتلقى تعليمه في كتّاب (معلامة) والده الشيخ عبيد بن سعيد باصلعة، وكأقرانه من التلاميذ درس اللغة العربية (القاعدة البغدادية) وتحفيظ القرآن الكريم، كما كان يواظب على حلقات القرآن الكريم في المسجد، والتي كانت تعرف بالحزب اليومي.

كان الشيخ عبدالله عبيد يساعد والده في تحفيظ الأطفال القرآن الكريم، وتلقى عدد كبير من شباب الديس دروسهم القرآنية، ومن أبرزهم العلامة السيد عبدالله محفوظ الحداد (رحمه الله) الذي كان مفتي حضرموت.

**إلى شرق أفريقيا وما أحلى الرجوع إلى الديس**

شد الشيخ عبدالله عبيد باصلعة الرحيل إلى شرق أفريقيا طلبا للرزق وسرعان ما عاد إلى الديس الشرقية ليساعد والده في (المعلامة) وتحمل المسؤولية كاملة بعد انتقال والده إلى جوار ربه.

في مطلع ثلاثينات القرن الماضي بادر وجهاء الديس الشرقية وفي مقدمتهم الشيخ صالح سعيد بحاح - رحمه الله - بإنشاء مدرسة أهلية لتعليم أبنائهم، وقد أوقف الشيخ بحاح أرضا لبنائها وساهم أبناء المنطقة بتشييد المدرسة، وكان الشيخ باصلعة من ضمن معلمي المدرسة، إلا أن الظروف الأسرية المالية أجبرته على الانتقال إلى قصيعر للعمل كاتبا (كراني) في حوش يسلم سعيد بامسعود لتجفيف الأسماك، واستأذن القائمين على المدرسة قبل الانتقال إلى هناك.

**الشيخ عبدالله عبيد ومنعطف عام 1935م**

تحولت المدرسة الأهلية إلى مدرسة حكومية بعد موافقة جلالة السلطان صالح القعيطي (رحمه الله)، وأطلق عليها (المدرسة السلطانية)، وطلب من الشيخ عبدالله الالتحاق في خدمة النشء بالمدرسة السلطانية، وواصل مشواره في السلك المقدس عام 1935م، وابتعث إلى الشحر لمدة ثلاثة أشهر في دورة تأهيلية بمدرسة (مكارم الأخلاق).

**الشيخ عبدالله عبيد يعمل في محكمة الديس والحامي**

أخذت حياة الشيخ عبدالله عبيد باصلعة طابع (الكر والفر)، فها هو يستوعب في محكمة الديس والحامي ولدى قايم الديس والحامي، وأسندت إليه أعمال إضافية أخرى منها:

1 - القيام بعمل مكتب البريد في الديس الشرقية، وهو أول من قام بذلك.

2 - تسجيل الوثائق ورسوم الدعاوى.

3 - كاتب المجلس القروي بالديس الشرقية.

في العام 1981م أسندت إلى الشيخ عبدالله النظارة على مسجد (جامع) الديس الشرقية وأوقافه، الذي بناه رجل البر والإحسان السيد عبدالله بن عمر الكسادي، أحد أعيان الديس، وجاء عمل الشيخ عبدالله في الجامع المذكور خلفا للشيخ عوض صبري باوزير، الذي أوصى بأن يحل الشيخ عبدالله محله.

**النظام الجديد يحتاج لخدمات الشيخ عبدالله عبيد**

بعد إعلان استقلال الجنوب العربي (هكذا ورد في الوثيقة وذيلت بعد ذلك تسمية جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) في نوفمبر 1967م قرر النظام الجديد إبقاء الشيخ عبدالله عبيد باصلعة في عمله (كاتب مساعد المأمور)، ثم تكليفه رسميا للقيام بمهام مساعد المأمور، وعند افتتاح جامع الروضة في بداية ثمانينات القرن الماضي طلب منه القائمون على المسجد بأن يكون إماما خلال شهر رمضان فوافق واستمر يمارس مهام عمله لعدة أشهر.

حظي الشيخ عبدالله عبيد باصلعة بثقة الجميع سواء في السلطة أو من أهل الخير في مشاريع متنوعة يتقربون بها من ربهم، ومنها مشروع توصيل المياه، وذلك لما اتصف به من إخلاصه للعمل وأمانته في التعامل مع المال والمنتفعين به.

**الشيخ عبدالله وريادة في تعليم الفتاة**

أقام الشيخ عبدالله عبيد باصلعة في بيته معلامة للبنات، وأسند المهمة لأم أولاده السعد سالم بن حمزة، وكانت تلك الخطوة تعتبر ريادة في تعليم البنات في ظل مجتمع محافظ، إلا أن الشيخ عبدالله جعل الفكرة مستساغة عندما أسند مهمة تعليم الفتاة لزوجته.

**الشيخ عبدالله وتعدد أعمال البِر لخدمة العباد**

كان الناس يقصدون الشيخ عبدالله عبيد باصلعة لطلب خدمته في تقسيم الزكاة، وكان ـ رحمه الله ـ ملما بعلم الفرائض ويقوم بالمهمة على أكمل وجه.

كان الناس يقصدونه للفتوى في أمور العبادات من صلاة وصيام وغير ذلك، فيفتيهم ـ رحمه الله ـ لوجه الله، وكان البعض يقصده لإصلاح ذات البين لأنه كان محل إجماع على الاستقامة والورع والتقوى ووفقه الله في تلك المهام النبيلة.

كما كان الناس يقصدونه للقيام بأعمال تغسيل وتكفين الموتى في الديس الشرقية، ويطرقون بابه آناء الليل والنهار.

وكان ـ رحمه الله ـ مقصد الباحثين في السؤال عن تاريخ المنطقة، لأنه عاصر كل الأحداث التي مرت بها المنطقة في سنوات عمره المديد الذي تجاوز التسعين عاما.

وفي أثناء عمله بالديس في الإدارة المحلية تم تكليفه بالقيام باستبدال عملة الدينار المتداولة في ظل نظام الجنوب العربي السابق على الاستقلال فيسلمونه الدينار السابق على الاستقلال فيعطيهم مقابله من الدينار الجديد.

الشيخ عبدالله عبيد في رحاب الخالدين

انتقل الشيخ عبدالله عبيد باصلعة إلى جوار ربه في 9 فبراير 2009م عن عمر ناهز الـ(97) عاما وخلف وراءه سجلا ناصعا من الأعمال الحسنة التي قربته من ربه وأدخلته قلوب كل من عرفه وهي كلها في ميزان حسناته إن شاء الله.

أنجب الشيخ عبدالله عبيد باصلعة (8) أولاد الذكور منهم (5) هم بالترتيب: عبيد (والد الزميلين أحمد وعبدالله) 2 - أبو بكر 3 - محمد 4 - عبدالقادر 5 - فائز، و(3) بنات.

2- الحاج محسن مسعد المريسي:

**الميلاد والنشأة

الحاج محسن مسعد جعوال المريسي من مواليد عام 1911م في قرية بيت جعوال بمنطقة مريس في قعطبة، وكان ـ رحمه الله ـ منتميا لأسرة فلاحية إلا أنه غادر قريته كسائر أبناء مريس والشعيب ويافع والضالع متوجها إلى عدن واستقر في مدينة التواهي.

**ذكريات مع أسرة الحاج محسن المريسي**

كانت أسرة الحاج محسن مريسي تسكن في شارع مهدي (والد الفنان فاروق وعبدالمنان وزميل دراستي عبدالله)، وتسكن في هذا الشارع أسر عدنية معروفة منها بيت الكوكني وعبدالكريم أحمد يابلي (عمي)، وكنا نقضي إجازة الصيف المدرسية في التواهي، وكنا نتحرك إلى التواهي أنا وعبده علي بعيصي ومحمود علي بعيصي بمعية العم علي بعيصي، كنا نقيم أياما في بيت شقيقتي الكبرى (أم جمال) في بيت أسرة زوجها (بيت محمد نصر)، وكان يسكن في هذا الشارع عبدالله غانم كليب وبيت سالم زغير وبيت محمد عبيد وبيت محمود الصنعاني (والد المحامي مختار).

كنا نقضي أياما في بيت عمي عبدالكريم يابلي وفي الدور الأرضي كانت تسكن أسرة الحاج محسن المريسي وكان مغتربا في أمريكا وكانت زوجته امرأة فاضلة على ما أذكر أن أسمها زينب مريسي (شقيقها ميكانيكي مشهور) يسكن في حافة المجزرة بالشيخ عثمان.

كانت الحجة زينب تسكن مع ولدها علي وأخته جوهرة، إلا أنه غادرنا إلى القاهرة للدراسة وكان في الرابعة عشرة، وانتابنا شعور بالحزن على فراقه، وأذكر أننا ودعناه بأن دخلنا معا سينما التواهي ولم نعد نشاهد علي محسن بعد عام 1954، وعرفناه لاعبا مشهورا مع الزمالك وكنا نحب ونعشق نادي الزمالك من حبنا وعشقنا لعلي محسن.

**الحاج محسن مريسي في نادي الإصلاح العربي بالتواهي**

نشرت «الأيام» في عددها الصادر في 20 مارس 1996م في الصفحة (7) صفحة الرياضة موضوعا موسوما (هذا هو الرجل الذي أنجب "أبو الكباتن") لكاتبه أحمد مسعد جعوال المريسي، جاء فيه أن الفقيد محسن مسعد جعوال المريسي انخرط ضمن صفوف حركة الأحرار اليمنيين منذ نشوئها في عدن في أربعينات القرن الماضي ومن رموزها الكبار محمد محمود الزبيري وأحمد محمد نعمان وقيام حركة 1948م.

نظرا لصعوبة أوضاع الحاج محسن المريسي غادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأقام هناك حيث التحق بالعمل ووفقه الله بمصدر مريح للدخل أعانه على إعالة أسرته في التواهي وإرسال ولده علي إلى القاهره للدراسة، وكان دور الحاج المريسي فعالا في أوساط الجالية اليمنية وأثمر العمل المشترك تقارب وتعزيز العلاقات والإخاء والمحبة فيما بين أبناء الوطن الواحد.

**الحاج محسن يدعم ثورتي سبتمبر وأكتوبر**

ورد في إفادة الاخ أحمد مسعد جعوال المريسي ( «الأيام» - مرجع سابق): "وبعد قيام ثورتي 26 سبتمبر 1962م و14 أكتوبر 1963م كان الحاج محسن المريسي يدعم الثورتين ماديا ومعنويا في صنعاء وتعز وعدن، الأمر الذي أثر في وجدان أبنائه وأعطى دافعا أكبر في نضوج حسهم الوطني، حيث انخرط بعض من أبنائه في صفوف الحركة الطلابية المناهضة للوجود البريطاني".

عاد الفقيد الحاج محسن إلى أرض الوطن عام 1963م ليبارك انتصار الثورة والتقى المشير عبدالله السلال، رئيس الجمهورية (رحمه الله)، وعرض عليه المشير السلال منصبا وزاريا في الحكومة، إلا أن الحاج محسن اعتذر عن قبول المنصب وفضل بأن يخدم الثورة والوطن بكل تفانٍ وإخلاص من خارج السلطة ودون مقابل.

**الحاج محسن يستقر في ربوع مريس**

أحيل الحاج محسن المريسي الى التقاعد في أوائل السبعينات من القرن الماضي، وقرر العودة إلى أرض الوطن واستقر في منطقة مريس وخاصة قعطبة ونعم بالعيش في وسط أسرته وأقاربه وتحمل مسؤولية تمثيل أهالي المنطقة في حل مشاكلهم وتوفير المتطلبات وطرق أبواب المسؤولين في السلطنة من أجل تنفيذ مهامه، ولم يتوان.

**الحاج محسن وذكريات لاتنسى في التواهي**

انخرط الحاج محسن المريسي في عضوية نادي الإصلاح العربي بالتواهي، وتأسست له علاقات صداقة بعدد من رموز المدينة ومنهم: العميد محمد علي باشراحيل ومحمد حميد الشميري وعبدالقادر سعيد والسيد محمد عبده غانم وأحمد المصري ومحمود محمد ناصر ومحمد يحيى الميسري ويوسف مهيوب سلطان وأبو أنيس وغيرهم.

كان الفقيد الحاج محسن المريسي حريصا على أداء فروضه في أوقاتها حتى وفاته في 20 رمضان 1416هـ الموافق 9 فبراير 1996م (عن عمر ناهز 85 عاما) بعد وفاة ابنه الكابتن علي محسن في صنعاء في 26 نوفمبر 1993م.

خلف الفقيد الحاج محسن مسعد جعوال المريسي وراءه ذكرا طيبا، وأنجب ـ رحمه الله ـ جوهرة وعلي وعادل وأحمد وعبدالرزاق وسعيد.