تقارير
7 يوليو.. ذاكرة الاجتياح وموعد العهد.. الجنوب لم ينسَ ولن يسامح
في صباح 7 يوليو 1994م، لم تكن مدن الجنوب على موعد مع شمس الحرية، بل كانت على موعد مع الدخان، والرصاص، وصوت جنازير الدبابات القادمة من صنعاء. اجتياح همجي نفذته قوات الاحتلال اليمني ضد شعب آمن لم يطلب سوى حريته وهويته، ودولته المستقلة. لم تكن الحرب مجرد نزاع عسكري، بل مشروع تدمير شامل، أُلبس زورًا ثوب "الوحدة اليمنية"، فيما كان هدفه الحقيقي اغتيال وطن بكامله.
كانت عدن تُقصف، ولحج تُحاصر، والضالع تُستهدف، بينما الجنوب يُذبح أمام مرأى ومسمع من العالم، الذي اختار أن يغض الطرف عن واحدة من أبشع حروب الإخضاع في التاريخ الحديث.
-عدن تسقط عسكريًا.. لكنها تبقى حرة في قلوب أبنائها
في 7 يوليو، سقطت العاصمة الجنوبية عدن بيد الاحتلال، لكنّها لم تسقط يومًا من قلوب وضمائر أبنائها. ما زال كل شارع في المعلا وكريتر، وكل زاوية في خور مكسر، يشهد على يوم الغدر، حين قُهرت المدينة بالسلاح، لكن لم تُقهر بالهوية. ظلت عدن مدينة عصيّة على النسيان، تهمس دومًا "لن ننسى، ولن نغفر".
-7يوليو.. عهد لا يُنسى ودماء لا تُساوَم
في كل عام، يعود هذا التاريخ جرحًا نازفًا في جسد الجنوب، لكنه أيضًا موعدٌ للعهد المتجدد. عهدُ الرجال للرجال، أن لا نسيان، ولا غفران لمن قتل وسفك ودمر ونهب. فدماء الشهداء الذين ارتقوا على جبال ردفان وفي أزقة عدن وعلى تراب شبوة، لن تكون إلا وقودًا لدولة جنوبية حرة، كاملة السيادة.
-ليس خلافًا سياسيًا.. بل مشروع اجتثاث وهوية مهدورة
منذ إعلان "الوحدة" في 22 مايو 1990م، كان نظام صنعاء يعدّ لشيء آخر غير ما كُتب في الاتفاقات. بدأت سياسة الإقصاء والتهميش، تلتها حملات تسريح جماعي لعشرات الآلاف من أبناء الجيش الجنوبي، وصولًا إلى نهب الوزارات، واحتلال مؤسسات الدولة، وتغييب صوت الجنوب.
وفي صيف 1994م، بدأت فصول الحرب، حين اجتمعت القوى القبلية والدينية المتطرفة، ومعها مجاهدون عادوا من أفغانستان، لتنفيذ اجتياح شامل للجنوب. كانت حربًا ضد الوجود، ضد الإنسان، ضد كل ما هو جنوبي.
-الجرائم لا تسقط بالتقادم.. وذاكرة الضحايا لن تُمحى
مارست قوات الاحتلال اليمني أبشع أنواع الجرائم، الموثقة في ذاكرة الناجين وشهادات المنظمات الحقوقية، من الإعدامات الميدانية، إلى الاعتقالات، إلى التعذيب الوحشي في السجون، إلى النهب المنظم للممتلكات العامة والخاصة، إلى مصادرة المناهج، وإلغاء كل رمزية جنوبية، بما فيها العلم والتاريخ والأغاني الوطنية.
لقد طالت أيدي الغدر الوزارات، المدارس، المتاحف، الموانئ، وحتى البنوك. وتمت عمليات التهجير القسري، وتوطين أسر شمالية في العاصمة عدن والمكلا، ضمن مخطط لتغيير ديموغرافي ممنهج.
-المرأة الجنوبية.. نار في قلب الحرب
وسط هذا الخراب، كانت المرأة الجنوبية تقف، لا تبكي فقط على الشهداء، بل تقاوم بصمت، وتربي الأمل. كانت زوجة شهيد، وأمًا لمعتقل، وممرضة لجريح، ومعلمة لأجيال تعلّمت أن الوطن لا يُشترى. قاومت بكل ما أوتيت من صبر، وصنعت تاريخًا من الكبرياء، لن يُنسى.
-7يوليو 2007م.. من المأساة إلى المجد
في الذكرى الثالثة عشرة للاجتياح، انطلق الحراك الجنوبي السلمي في 7 يوليو 2007م، ليحوّل الألم إلى قوة، والمأساة إلى نضال. خرج أبناء الجنوب بمئات الآلاف إلى الشوارع، يهتفون للكرامة، ويرفعون علمهم المغيّب، ويعلنون من جديد أن الجنوب لم يمت، بل نهض من رماده، مثل طائر الفينيق.
كانت تلك اللحظة بداية الطريق نحو الحرية، الذي استمر نضالًا سلميًا، ثم مقاومة وطنية، حتى تأسيس الكيان السياسي الجامع.
-المجلس الانتقالي الجنوبي.. ميلاد مشروع الدولة من جديد
في مايو 2017م، وُلد المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي، ليتحوّل الحراك الشعبي إلى مشروع سياسي متكامل، يتبنى قضية الجنوب ويقودها نحو التحرير. بدأ بناء المؤسسات العسكرية والأمنية من تحت الأنقاض، وتوحيد الجهود السياسية، وفتح قنوات التواصل مع الخارج، لتأكيد حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم.
-جنوب اليوم.. وطنٌ قوي بقيادة صلبة
لم يعد الجنوب ضعيفًا أو مشتتًا. اليوم، لديه قيادة سياسية واضحة، وجيش وأمن قويان، ومشروع تحرري يحظى بالإجماع الشعبي. لقد أثبتت القوات المسلحة الجنوبية قدرتها على حماية الأرض، ومواجهة الإرهاب، والتصدي لمؤامرات قوى الشر التي لا تزال تحاول عبثًا النيل من الجنوب.
-لا لبرلمان الاحتلال.. ولا لشرعية الدم
يرفض أبناء الجنوب كل ما يصدر عن ما يُسمى بـ"البرلمان اليمني منتهي الصلاحية"، الذي لم يكن سوى غطاء لشرعنة الجرائم، ودعم آلة الاحتلال. الجنوب اليوم يقول: لا شرعية إلا للدماء التي سالت، ولا صوت يعلو على صوت الإرادة الشعبية.
-المجتمع الدولي.. صمتٌ لا يُغتفر
لم يكن الموقف العربي والدولي عام 1994م على قدر الحدث، بل كان صامتًا في وجه الإبادة، ومتواطئًا بصمته. واليوم، وبعد كل هذه التضحيات، يُجدّد شعب الجنوب دعوته للأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، وكل أحرار العالم، آن الأوان للاعتراف بحق شعب الجنوب في استعادة دولته وتقرير مصيره.
-الجنوب في الوجدان العربي.. ركيزة استقرار لا تُهمّش
الجنوب لا يمثل مجرد كيان سياسي، بل هو بوابة البحر العربي، ومنفذ استراتيجي مهم على ممرات التجارة والطاقة. إن استقرار الجنوب هو استقرار للمنطقة، ودعمه يعني حماية المنطقة من التطرف والفوضى والإرهاب. لذلك فإن دعم مشروع الدولة الجنوبية ليس نفعًا للجنوب وحده، بل للمنطقة برمتها.
-الجنوب لا ينسى.. والنصر آتٍ مهما طال الطريق
في كل بيت جنوبي حكاية، وفي كل حي جرح، وفي كل قلب ذاكرة. 7 يوليو لم يكن نهاية، بل بداية لحكاية نضال طويل، لا زالت فصوله تُكتب بالدم، والإصرار، والكرامة.
سيظل هذا التاريخ شاهدًا على أن الجنوب طُعن، لكنه لم يمت. وسيظل شعب الجنوب يردد: "لن ننسى، ولن نغفر، ولن نقبل إلا بدولة كاملة السيادة، حرة، مستقلة، نرفع علمها في العاصمة عدن والمكلا وشبوة والضالع ولحج وأبين وسقطرى والمهرة، وكل شبر من الجنوب الحر." رحلات إلى عدن