عربي دولي
لماذا لم تحسم روسيا الحرب مع أوكرانيا في أسبوع كما تخيل ترامب؟
يتساءل كثيرون لماذا لا تلجأ روسيا إلى سياسة "الأرض الحارقة" لفرض انتصار سريع في أوكرانيا؟ ولماذا تصر موسكو على وصف عمليتها العسكرية بأنها "خاصة" وليس "حربًا"؟
الإجابة، وفق خبراء مصريين تحدثوا لقناة RT، تكمن في حسابات اجتماعية تأخذ بالاعتبار صلة القربى القومية والدينية في بلد ربع سكانه من الروس، وحسابات أخرى استراتيجية وسياسية واقتصادية معقدة، تتجاوز حدود أوكرانيا لتلامس صراعًا أوسع مع الغرب، خصوصًا حلف الناتو. فموسكو، بحسب هؤلاء الخبراء، لا تحارب كييف وحدها، بل تواجه تحالفًا غربيًّا يمد أوكرانيا بالسلاح والذخائر والدعم الاستخباراتي والتمويل المالي، ما حوّل الصراع من حرب خاطفة إلى معركة استنزاف طويلة الأمد.
ويأتي هذا التحليل في وقت يزداد فيه التوتر الكلامي بين موسكو وواشنطن، بعد أن شكّك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قدرات روسيا، قائلا: "لقد خاضت روسيا حربًا بلا هدف لمدة ثلاث سنوات ونصف، في حرب كان من المفترض أن تستغرق قوة عسكرية حقيقية أقل من أسبوع لكسبها. هذا لا يُميز روسيا، بل يُظهرها وكأنها (نمر من ورق)". فكان رد الكرملين حازمًا: "روسيا ليست نمرًا، بل دب... وليس هناك دببة من ورق"، في تأكيد على أن القوة الروسية ليست للعرض، بل للصمود والمواجهة.
الاستراتيجية الروسية: "عملية خاصة" وليست حرباً شاملة
أوضح الباحث العسكري ومؤسس مجموعة "73 مؤرخين" أحمد زايد، في تصريحات لـRT أن توصيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للعملية بأنها "عسكرية خاصة" وليس "حرباً" يحمل أبعاداً سياسية بالغة.
وأشار إلى أن هذا التوصيف يهدف إلى تأكيد أن روسيا لا ترى الأوكرانيين "عدواً" بل "شعباً شقيقاً"، كما أنه يمثل إجراءً لتجنب إعلان التعبئة العامة التي تستلزم تحويل الدولة والمجتمع بالكامل إلى وضعية الحرب، بما يصاحب ذلك من تكاليف سياسية واقتصادية باهظة.
الدعم الغربي: الركيزة الأساسية لصمود أوكرانيا
أكد زايد أن أوكرانيا تلقت دعماً ضخماً وغير مسبوق من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تمثل في:
تزويدها بأسلحة متقدمة مثل أنظمة الدفاع الجوي، والصواريخ بعيدة المدى، والصواريخ المضادة للدبابات.
تقديم دعم استخباراتي مباشر عبر الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة.
ضخ تمويل بمليارات الدولارات مكّنها من مواصلة القتال.
ولفت إلى أن مشاركة مقاتلين أجانب ومرتزقة شكل عاملاً إضافياً، اعتبرته موسكو تدخلاً مباشراً من الغرب.
تحول جوهري: من حرب خاطفة إلى استنزاف طويل الأمد
وحول طبيعة، رأى زايد أنها تحولت من عملية عسكرية سريعة كما توقعت القيادة الروسية في البداية، إلى حرب استنزاف طويلة الأمد. لم يعد الصراع قائماً على الحسم العسكري السريع، بل على قدرة كل طرف على التحمل الاقتصادي والعسكري والاجتماعي. فبينما تعتمد أوكرانيا على تدفق المساعدات الغربية، تراهن روسيا:
تراجع الدعم الغربي: في حال انشغال الولايات المتحدة أو أوروبا بأزمات داخلية أو صراعات أخرى.
الإرهاق الأوكراني: استمرار إنهاك الاقتصاد الأوكراني والبنية التحتية وتراجع القدرة على تعبئة الجنود.
توسيع العملية العسكرية: إذا قررت روسيا التحول إلى "حرب شاملة" وإعلان تعبئة عامة.
تفكك الموقف الغربي: حدوث خلافات بين دول الاتحاد الأوروبي حول تكلفة استمرار الدعم.
في هذه الحالة، قد تنجح روسيا في تثبيت سيطرتها على الأراضي التي ضمتها وفرض شروطها في مفاوضات السلام.
روسيا تواجه حلف الناتو وليس أوكرانيا وحدها
من جانبه، قال رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق في الجيش المصري اللواء نصر سالم، إن أوكرانيا "تحارب على أرضها باسمها فقط، بينما الذخائر والأسلحة والمعلومات وكل ما يخص الحرب، حلف الناتو هو من يديرها". مؤكداً أن روسيا "لم تحارب أوكرانيا فهي تحارب دعما كبيرا (حلف الناتو)".
ورداً على سؤال "متى تنتصر روسيا؟"، أجاب اللواء سالم: "روسيا تنتصر عندما يتخلى حلف الناتو عن أوكرانيا. لن يكتمل يوم واحد إلا وتكون الحرب منتهية، إذا توقف حلف الناتو عن توريد مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا تشمل ذخائر وقذائف مدفعية".
وأكد الخبير الأمني اللواء إيهاب يوسف أن الولايات المتحدة تعتمد استراتيجية "الحروب عن بُعد" التي تهدف إلى تغيير الواقع وفرض الفوضى أو واقع جديد، دون احتلال بالمعنى العسكري التقليدي، على عكس روسيا التي تسعى لضم الأقاليم وتوسيع نفوذها المباشر.
الاستراتيجية الأمريكية: إحداث "فوضى خلاقة"
قال اللواء يوسف في تصريحات لـ "RT": "لو نظرنا إلى العراق واليمن وسوريا... إلخ، فهي دول لن تحتل من قبل الولايات المتحدة، وإنما الهدف 'الفوضى الخلاقة' لإحداث تغيير على الأرض يحقق رؤية معينة يستهدفونها، وليكن منها 'إسرائيل الكبرى' أو غيرها".
وأوضح أن واشنطن تهدف من وراء هذه الاستراتيجية إلى إعادة تشكيل الواقع الجيوسياسي بما يخدم مصالحها دون تحمُّل تكلفة الاحتلال المباشر.
من ناحية أخرى، أشار الخبير الأمني إلى أن موسكو لا تستهدف مجرد تغيير الواقع، بل استثماره لصالحها سياسياً وجيوسياسياً. وأضاف: "من ثم فهي تسعى لضم أقاليم إلى أراضيها لتوسيع النفوذ، وتعتبر أن هذه الدول إما لها أو تابعة لها، ومن ثم يجب تقويتها وليس هدمها".
مقارنة بين النهجين
لخص اللواء يوسف الفرق بين الاستراتيجيتين بقوله: "بمفهوم بسيط، هذا هو الفرق بين القوتين في التعامل مع مستهدفاتهم. فالأولى تعتمد على الحرق والدمار، بينما الثانية تحاول المحافظة والتقوية مع ضمان الولاء".