تقارير
شبوة.. لجان الصلح المجتمعي بلسم في مواجهة قضايا الثأر
في محافظة شبوة، التي اشتهرت بتوارث عادة الثأر واعتبار قتل النفس حق مشروع بل وأصبح الثأر بها من العادات التقليدية التي لاتثير الدهشة، تضطلع لجان الصلح المجتمعي التي يقودها المشايخ والعقلاء، في انهاء الخصومات الثأرية بين عدد من القبائل والأسر.
لعبت هذه اللجان دوراً مهماً في مواجهة مشكلة تنامي معدل الثأر، ونجحت في حقن الدماء والصلح بين المتخاصمين في قضايا الدم لمنع انتشار نار الفتنة.
وخلال عام واحد، بين سبتمبر 2022 وسبتمبر 2023 أحرزت لجان الصلح المجتمعي تقدمًا كبيرًا في السلام المجتمعي حيث تم انهاء أكثر من 25 خصومة ثأرية بين مختلف قبائل محافظة شبوة.
ذات التجربة حدثت قبلا في جمهورية مصر العربية، تم إطلاق مبادرة تمثلت في لجان صلح مجتمعي للقضاء على الثأر، إذ نجحت في التخلص من 120 خصومة ثأرية شائكة في أسيوط، وإنهاء 127 خصومة ثأرية خلال خمس سنوات في قنا، وذلك نتيجة جهود لجان المصالحات.
ويعرف الصلح بأنه عملية فض النزاعات والخلافات بين المتخاصمين من خلال الحوار والاعتراف بالذنب، والتسامح أو رد الحقوق إلى أصحابها وبناء علاقات قائمة على الثقة، والتسامح، والتعاون بين الناس للعيش بسلام واستقرار.
يعدّ هذا النوع من الحلول جيدا وايجابيا حد وصف متابعين ومهتمين للقضاء على الثأر، حيث تحلّ الخلافات القائمة بين الأطراف تماماً وتنتهي مسبباتها، وقد تتحول العلاقة بين الأطراف المتخاصمة إلى علاقة مودة وصداقة.
كما يحقق الوحدة والتماسك بين أفراد المجتمع، ويساهم في بناء علاقات جيدة، ويحدث تغييرا ايجابيا في المجتمع على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والامنية.
حلول لم تنجح
في العام 2019م، نفذت القوات الأمنية في محافظة شبوة، حملة منع السلاح في بعض مديريات المحافظة، إذ نجحت حينها في منع انتشار الجريمة ووقف الاقتتال الثأري في تلك المديريات.
لكن ذلك الحل لم ينجح في القضاء نهائيًا على الخصومات الثأرية، نتيجة التقلبات الأمنية والعسكرية، إضافة إلى بقاء الاحتقان والتربص، على خلاف الصلح المجتمعي الذي يقوم على اعتراف الطرف الذي تسبب بالأذى بخطئه وطلبه العفو من الطرف المتضرر والذي يقوم بدوره بمسامحته او القبول بحل بديل ممكن كدفع الديات ما يساعد في ترميم العلاقات المكسورة، وإعادة التواصل، وتجديد العلاقات مع الأشخاص الذين تسببوا بالأذى لغيرهم.
يشجع المقدم علي مسعود الدحبول قائد شرطة الدوريات وأمن الطرق بمحافظة شبوة، تطوع رجال الصلح المجتمعي ذوي الهمة العالية والمكانة الرفيعة في المجتمع حد وصفه من شيوخ وشخصيات اجتماعية، مبادرين من ذات أنفسهم وعلى نفقتهم الشخصية بالسعي بين القبائل المتحاربة بالصلح وحل قضايا كثيرة.
ويرى المقدم الدحبول ان لجان الصلح المجتمعي ركيزة من ركائز الدولة والمجتمع، ويجب دعمهم والوقوف إلى جانبهم، لما لهم من دور كبير في الحد من الجريمة، وحل كثير من الخصومات الثأرية.
في حين عارض مواطنون بمحافظة شبوة، خلال استطلاع رأي، هذا الحل معتبرين ان الخصومات الثأرية تتطلب قيام رجال الأمن بدورهم في ضبط الامن ومنع وقوع الجريمة وضبط مرتكبيها، ومنع حمل السلاح، وسرعة البت والفصل في الخصومات من قبل القضاء، ورأى آخرون انه حل ممكن للإسهام في حقن الدماء وتحقيق الاستقرار المجتمعي في ظل الاوضاع الحالية.
صعوبات ونجاحات
يُعدّ تحقيق الصلح بين أطراف متخاصمة في المجتمع أمراً ليس سهلاً على الاطلاق، فقد يستغرق وقتاً طويلاً كما يتطلب اتخاذ قرارات صعبة للوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، وتختلف الجهود المبذولة للمصالحة تبعاً للظروف والمدة الزمنية التي تعتمد على طبيعة الخلاف والمكون المجتمعي، إلا أن ذلك لم يقف عائقاً أمام سعي لجان الصلح المجتمعي في تحقيق الصلح لما له من أهمية كبيرة في تحقيق الاستقرار.
الشيخ القلبي البارز ناصر محمد القميشي، وكيل محافظة شبوة أحد رموز لجان الصلح المجتمعي في المحافظة، يرى ان إصلاح ذات البين يتطلب جهدا كبيرا خصوصًا في القضايا الجنائية، بسبب نقص الوعي والوازع الديني كما يقول، وكذلك ظهور بعض الأصوات التي لاتريد الخير والصلح، وتعمل على تعبئة الأطراف بطريقة او بأخرى لكي تفشل جهود لجان الصلح المجتمعي.
ويضيف رغم الصعوبات والمعوقات، إلا اننا نجحنا انا ومجموعة من المشائخ والشخصيات الاجتماعية، في إنهاء عشرات الخصومات الثأرية المعقدّة خلال عام واحد فقط، في قضايا مختلفة، في شبوة وحضرموت وأبين.
لجان الصلح بلسم صحي
في ريف محافظة أبين - محمد البالغ من العمر 50 عاما، يزهو بأنه يمارس حياته بحرية في قريته عقب سنوات من العزلة في منزله، بسبب خصومة ثأرية.
يقول محمد، وهو أب لأربعة أبناء، الآن أصبحت حياتي أفضل، بعد ان مررنا بفترة صعبة، قيدنا خلالها من ممارسة حياتنا العامة بالشكل المعتاد وذلك بسبب ثقافة الطارف غريم.
في الريف اليمني، تنتشر ثقافة "الطارف غريم" وهي أن يقوم أولياء الدم "أقارب القتيل" بقتل القاتل نفسه أو قتل أحد أقاربه، انتقاماً لأنفسهم دون أن يتركوا للجهات المختصة حق إقامة القصاص الشرعي.
يضيف محمد، بفضل الله ثم لجان الصلح المجتمعي التي أنهت قضيتنا الثأرية، وكانت بلسم صحي لنا، أولادي يذهبون إلى المدرسة، ونمارس عملنا بشكل طبيعي، بعد ان حرمنا من ممارسة ذلك فترة طويلة.
تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي