حضرموت.. أكثر من ألفي مسجد وكنوز أثرية تحكي تاريخا عريقا

عدن/عدن الحدث

دخل الإسلام حضرموت في السنة العاشرة من الهجرة، عندما عاد وفدها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، حيث نبذوا وثنيتهم واعتنقوا الإسلام، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم أول عامل من قبله وهو زيد بن لبيد البياض.. وبني في حضرموت أكثر من (80) مسجدًا أثريًا من أصل (2000) مسجد تتوزع اليوم في أنحاء حضرموت الشاسعة الأطراف، وقد شيد أول مسجد في السنة العاشرة للهجرة عندما قام حكام الشحر - التي تعد من المدن اليمنية القديمة (وهم من قبيلة كندة) ـ ببناء (جامع الشحر) الذي اعتبر أقدم مسجد في حضرموت.. وقد بقيت بنايته حتى عام (207 هجرية)، عندما قام بتجديده الشيخ محمد عبدالعليم باصديق أحد تجار الشحر، وفي عام (571 هجرية) تم تجديد عمارة الجامع من قبل الفقيه الشيخ عبدالله بن سعد بادخار الشحري.

وفي عام (782) قام الأمير الرسولي محمد أحمد بن الحاجب القضاعي بتوسعة رقعته، وهكذا تواصل تجديد بناء جامع الشحر مرات عديدة إلى أن قام السيد حسين بن محمد بن سهيل عام (1120 هجرية) بإعادة عمارته وتوسيع مساحته وأقام له منارة اشتهرت بارتفاعها الكبير.. وقد تم تهديم المنارة بعد (250) سنة خوفاً من سقوطها لأنها قد بنيت من مادة الطين، وشهد جامع الشحر الشهير آخر تجديد له في عام (1385) هجرية، وكان ذلك في عهد حاكم الشحر الشيخ علي محفوظ بن بريك وبإشراف القاضي الفقيه عبدالقادر محمد العماري، ولا يزال أول مسجد قائمًا حتى اليوم.

وأسست عدد من المساجد التاريخية في القرن السادس الهجري، ولا تزال قائمة، ففي أوائل القرن السادس بني مسجد الشيخ عبدالله مولى المحطة، وفي نفس القرن بني مسجد الشيخ سعد الدين الظفاري بمنطقة المجرف، وقد بدأ العمل في تجديده عام 1995م مع المحافظة على معالمه التاريخية، وهناك مسجد بلحاف الذي أنشئ في القرن السابع الهجري وتهدم عام 1989م وأعيد بناؤه من قبل دولة الكويت، وفي نفس القرن السابع الهجري بنيت عدد من المساجد وهي: مسجد الديني في عقل باعوين، ومسجد ابن عتيق وثلاثة مساجد في منطقة بالخور في الشحر وهي: مسجد بافضل، ومسجد السقاف، ومسجد اليافعي، وكذا مساجد: باقرين وابن عمران وعبدالرحيم وابن أحمد والغالبي وابن جوبان وعمرو، والعيدروس، وبازيراك، وبني قضيمتي، ومسجد الشيخ سيف الدين الكهالي الذي عثر عليه في عام 1989م وأعيد بناؤه، وكذا مسجد الشيخ أحمد.

والمساجد المذكورة كانت عامرة قبل عام (926) هجرية، وفي القرب من المكلا بني أول مسجد تاريخي في القرن التاسع الهجري وتجددت عمارته عام 1980م، ويقع في منطقة روكب التي كانت العاصمة آنذاك، أما في المكلا نفسها فإن المساجد لا يتجاوز عمرها أكثر من مائة عام وأقدمها جامع البلاد في حي خالد، ومسجد النور في حي الصيادين ومسجد باحليوة.

وفي غيل باوزير يعتبر جامع النفقة أول مسجد بني فيها في القرن السادس الهجري وبنايته غريبة لا يشبهها إلا جامع العيدروس في الشحر، وهذا المسجد مهدد بالسقوط، وهناك جامع الغيل الذي بُني عام 717 هجرية، وتم تجديده مرارًا، وكذا مسجد حسين بن عمر بن حسين الذي أُسس في القرن العاشر الهجري وتم أيضًا تجديده مراراً.

وفي تريم التي تأسست حوالي في القرن الرابع الميلادي، أي قبل البعثة المحمدية، لم يحدد أول مسجد بني فيها سوى مسجد الوعل الذي بناه ابن بشر الأنصاري والذي استمرت فيه خطابة الجمعة إلى اليوم، أما جامع تريم فقد بني في القرن الرابع الهجري وتحديداً في عام (357) هجرية ومؤسسه الحسين بن سلامة الذي ولي حكم اليمن ووحدت البلاد في عهده، وتجددت عمارة جامع تريم مراراً وآخرها في عام 1392 هجرية، ويمتاز هذا الجامع بمنارته التي يبلغ طولها (115) قدمًا. منارة جامع المحضار بتريم بارتفاع 53 متر

وفي القرن السادس الهجري شهدت تريم بناء العديد من المساجد نذكر منها مسجد علي بن علوي ومسجد بامقاصير ومسجد سرجيس ومسجد الجنانة، ومسجد الشيخ حسين الذي سمي قديماً بمسجد باشعيان.

أما في مدينة شبام فإن مسجد هارون هو أقدم مسجد بني في شبام الذي بناه هارون الرشيد، ولا يزال يحتفظ ببنائه القديم حتى اليوم وعمره أكثر من ألف عام، إذ أنه بني في القرن الرابع الهجري وهو مزار للسياح حاليًا، كما يوجد في شبام مسجد الخوقة الذي بناه الأباضيون وتجددت عمارته.

ومع تجاوز عدد المساجد الحالية في عموم مناطق حضرموت الألفي مسجد إلا أن بناء العديد من المساجد الحديثة لا يزال مواصلا وخاصة أن محافظة حضرموت تشهد تشييد العديد من المدن الجديدة في مختلف مدن المحافظة ومديرياتها.

ولم تشتهر حضرموت فقط بقدم إسلامها وتأسيس المساجد التاريخية المتعددة التي تشمل جميع مناطق حضرموت سواءً في الساحل أو الداخل، بل لحضرموت تاريخ عريق في الجانب التاريخي الأثري، فهناك مدينة شبام التاريخية التي شيدت فيها أول ناطحات سحاب في العالم، والتي جذبت إليها السياح من كل بقاع العالم، وهناك المزارات التاريخية ومنها قبر النبي هود (عليه السلام) وغيره كثير، وهناك المتحف التاريخي الشهير الذي يقع في جزء من قصر السلطان حسب التسمية المتداولة وهو ما يسمى أيضا بـ (قصر النعيم) الذي يعد من أبرز وأجمل المعالم التاريخية في مدينة المكلا.

وتعود بي الذاكرة إلى عام 1999م عندما قمت بزيارة استطلاعية لمدينة المكلا، حيث خصصت من وقتي بعض الساعات لأتجول في ذلك المتحف، وبرغم زياراتي السابقة قبل عام 99م لهذا المتحف إلا أنه في تلك الزيارة راودتني الأفكار أن أتعرف أولاً على تاريخ بناء هذا القصر الذي يسمى بـ (قصر النعيم)، وتحقيقاً لهذه الرغبة فقد عملت على جمع المعلومات التاريخية حول (قصر النعيم) قصر السلطان.

**لأربعة عقود كان مقراً للدولة القعيطية** قصر السلطان القعيطي

بُني قصر النعيم عام 1925م من قبل السلطان عمر بن عوض القعيطي وجعله مقراً رسميًا للدولة القعيطية، وكان موقع بناء القصر متميزًا حيث يطل على البحر مباشرة وكان تصميمه جميلا وساحرا، وظل هذا القصر مقراً للدولة القعيطية على مدى (41) عاماً شهد خلالها عهد (4) سلاطين وهم: عمر بن عوض، صالح بن غالب، عوض بن صالح، وغالب بن عوض، حتى انتهاء الدولة عام 1967م، ومنذ تلك الفترة خصص الجزء الشرقي من قصر النعيم ليكون متحفًا تاريخيًا للآثار التي تحكي عن زمن طويل من تاريخ الحضارة الحضرمية، ويؤرخ للدولة القعيطي التي دام حكمها (92) عاماً.

**حضارة القرن الأول الميلادي**

بداية تجولت في قسم الآثار الذي يشد الزائر وينقله إلى حضارات سادت ثم تلاشت واحتلت مكانها حضارات أخرى، وأثناء تجولي كان الأخ غالب بافطيم مدير المتحف يفك الطلاسم والرموز، فيقول موضحًا لي: إن هذه النقوش والآثار والأحجار تمثل حضارات يمنية قديمة تعود إلى الماضي الجيولوجي لحضرموت، وأنها كانت عبارة عن قاع بحر كبير قبل نشوء السلسلة الجبلية في وادي حضرموت، أي أنها تمثل الفترة من (40 - 70) مليون سنة مضت، وقبل نشوء الأخدود المعروف بالبحر الأحمر، بالإضافة إلى آثار تمثل مراحل أخرى من حضارة اليمن في عصور أقرب.

**سرقة العديد من الآثار**

ومن ثم انتقلنا إلى الدور الثاني الخاص بمقتنيات الدولة القعيطية، وهناك هالني ما لمسته من ضياع وسرقة للعديد من الوثائق والآثار التاريخية خلال حرب صيف 1994م، وواصل مرافقي الأستاذ غالب بافطيم شرحه قائلاً: «إن هذا الجناح يؤرخ لدولة القعيطي منذ نشأتها ويضم أيضا قاعة للاجتماعات التي كان يعقدها مجلس الدولة حينها، فضلاً عن قاعة أخرى لجلوس السلاطين..». وهنا واتتني الفرصة فطلبت منه إعطائي نبذة عن مراحل حياة سلاطين الدولة القعيطية.

**(9) عقود من حكم القعيطي**

منذ عام 1888م حتى عام 1911م كان الحكم للسلطان عمر بن عمر، ومنذ عام 1911م وحتى عام 1921م حكم السلطان غالب بن عوض، فيما امتدت فترة حكم مؤسس القصر السلطان عمر بن عوض (24) عاما، واستمر حكم السلطان صالح بن غالب ما يقارب(21) عاما، أي من عام 1945م وحتى عام 1965م.. فيما حكم السلطان عوض بن صالح سنة واحدة، وخلفه ابنه السلطان غالب بن عوض الذي لم يستكمل عاماً واحداً في الحكم.

وأشار بافطيم إلى أن المقتنيات الموجوده هي: عَلَم الدولة القعيطية، ونماذج من جوازات السفر التي كانت تستخدم، وعدد من الوثائق الأخرى والمراسلات التي تخص علاقتها بالدول الأخرى، وتطرق إلى العديد من الوثائق التي سرقت، ومحاولة إدارة المتحف البحث عنها، والحصول على بعض المقتنيات المتواجدة لدى بعض الأسر أو الشخصيات المهتمة.

وأعرب مدير المتحف حينها عن أمله بأن يجري الاهتمام بهذا المتحف الذي يعاني العديد من النواقص ويفتقر إلى الترميمات وقال «وعلى الرغم من ذلك إلا أن مئات السياح يزورون المتحف ويطلعون على حضارة حضرموت».الايام