المقدشي... خائن أم كبش فداء؟

الصراع الدائر منذ أشهر بين أجنحة سلطة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ــ السلطة المعترف بها دولياً والمعروفة باسم «الشرعية» ــ وبالذات الصراع داخل الجبهة العسكرية «المترنحة»، ظل إلى ما قبل أيام يحتدم خلف الكواليس ووراء الحجب بصمت، إلى أن أتى مساء الإثنين الماضي. تجلى حينها عنوان الصراع بوضوح، على شكل قرار جمهوري استهدف عزل اللواء محمد علي المقدشي، رئيس هيئة الأركان العامة (القائم بمهمات وزير الدفاع المحتجز في صنعاء لدى سلطة الحوثيين وصالح: اللواء محمود الصبيحي) والمتهم (المقدشي) من قبل «حزب الإصلاح» بالتقاعس والفشل في تحقيق أي اختراقات حقيقية على مختلف جبهات القتال، فضلاً عن حالات اللمز التي ظلت تطارده من قبل أصوات إصلاحية تلزمه باستمرار ولائه للرئيس السابق علي صالح، وتنصيب بدلاً عنه العميد طاهر عيضة العقيلي، الموالي لـ«حزب الإصلاح» ولنائب رئيس الجمهورية اللواء علي محسن الأحمر، تحديداً. فبعد أسابيع من حالة الترقب المشوبة بالأمل والقلق، والتي ظل فيها الحزب يرصد الوضع المتأزم بين طرفي الحكم في صنعاء، لعل وعسى أن تأتي بالانفراجة لـ«الإصلاح» ولـ«الشرعية»، ولـ«التحالف» بشكل عام، من خلال تفجر الأوضاع بين شريكي الحكم هناك: الحوثيين وصالح. وحين بدا أن رياح صنعاء لم تأت بما تشتهيه سفن «التحالف» و«الإصلاح»، اضطر بعدها «حزب الإصلاح» إلى الضغط على الرئيس هادي، لأن يعيد ترتيب أوراقه العسكرية من خلال تمكين رأس السلطة العسكرية لشخصية عسكرية تدين بالولاء المطلق لـ«الإصلاح» وللتخلص من حالة الشك والريبة التي ظلت تلازمه حيال موقف اللواء المقال: المقدشي. تراكمات كبيرة، من حالة فقدان الثقة والتوجس من دور المقدشي وخيبات عسكرية لا حصر لها، ظلت تراود «حزب الإصلاح» واللواء محسن الأحمر من دور المقدشي، ناهيك عن تبدد احتمال تصدع جبهة الحكم في صنعاء، جميع هذه العوامل أفضت إلى هذا العزل وهذا التعيين. فحين نشير إلى الخيبات التي عصفت بالمقدشي من منصبه فنحن هنا لا نستطيع سردها كاملاً، لكثرتها أولاً، وسرية جُلها. كان فشل تنفيذ الخطة العسكرية، الضخمة من حيث العدة والعتاد والقوة العددية الهائلة (آلاف المقاتلين النظاميين والمتطوعين من الجماعات الدينية المتشددة)، والتي أعدتها «الشرعية» بالتنسيق مع السعودية والإمارات، قبل أيام، وكانت تصب جهدها على الجبهة الشرقية (جبهة نهم)، وتمت تسمية كبار القادة العسكريين لتنفيذها، ولكنها فشلت بأدوات استخباراتية محضة، بعد تسريب فحواها وتفاصيلها من داخل أروقة الجهات العسكرية التي يقف على رأسها اللواء المقال المقدشي، بحسب اعتقاد واتهامات مباشرة وغير مباشرة قوية من مصادر إصلاحية مختلفة. وحين نشير إلى الاتهامات التي ظلت تطارد الرجل وطاقمه العسكري والاستخباراتي بأنه يعمل بالخفاء، أو جزء من طاقمه مخترق بشكل خطير من قبل القوى العسكرية في صنعاء، بحسب الاعتقاد الإصلاحي، فنحن نشير إلى عدة حالات كأمثلة لذلك وليس للحصر، تتمثل بالاعتقاد والاتهامات المباشرة وغير المباشرة من أصوات إصلاحية وغير إصلاحية تتهم الرجل بالمسؤلية المباشرة أو غير المباشرة عن حالات القتل التي تعرض لها عدد من القيادات العسكرية الكبيرة الموالية للحزب، بعمليات عسكرية نوعية كان العنصر الاستخباراتي العاملَ الحاسم فيها، مثل: قائد المنطقة العسكرية الثالثة، اللواء عبد الرب الشدادي، وقائد اللواء 29 ميكا، العميد الركن حميد التويتي، وقبل أيام العميد محمد علي الجرادي وعدد من مرافقيه، وغيرهم كُثر... فتحت ضغط هذه العوامل، وغيرها، وبعد أن طال أمد الحرب، وحال الوضع العسكري شمالاً يراوح مكانه من الجمود والفشل، وجد «حزب الإصلاح»، وشرعية هادي عموماً، أنفسهم أمام هكذا إجراء لإعادة شحن الأمل لدى أنصارهم، وفي محاولة لتهدئة حالة التذمر الكبيرة التي تنتاب «التحالف» من سوء النتيجة العسكرية بعد ثلاثين شهراً من الحرب المكلفة مالياً وبشرياً على «التحالف»، وإن كان هذا الأخير يعرف بتفاصيل ما يجري أكثر من هادي و«الإصلاح»، ومن الصعوبة أن ينطلي عليه مثل هكذا حركات. فسواء كان المقدشي كما قيل عنه من السوء و«الخيانة»، أو أنه أضحى مجرد كبش فداء يقدم «حزب الإصلاح» وهادي أنفسهم من خلال عقره أمام الداخل والخارج بأنهم قد وضعوا أياديهم على مكمن الإخفاق، وأن الحسم سيولد من رحم هذا الإجراء، فإن هادي و«الإصلاح» كانوا بحاجة إلى هكذا ضجيج إعلامي وسياسي، وبحاجة إلى إعادة إنتاج الذات، خصوصاً أن الحليف الرئيس (السعودية) قد ضاق برتابة عملهم وفسادهم وطول تكسبهم المالي من طول مدة الحرب على حساب الخزانة السعودية المُتعبة أصلاً، ناهيك عن الضغوط الدولية الكبيرة التي يتعرض لها هذا الحليف، وبالذات الضغوط ذات البُعد الإنساني والأخلاقي، المتمثل بحالات الانتهاكات الفظيعة التي ترتكبها طائراته، والتي جعلته يقف على تماس دائرة القائمة الدولية السوداء لجرائم الحرب وانتهاك الانسانية، والطفولة على وجه الخصوص، في وقت يظل يقدّم نفسه على أنه «حصن الإسلام الحصين» و«الحريص على دماء المسلمين»! *نقلاً عن موقع "العربي"

مقالات الكاتب