شرعية منتهية الصلاحية.. برلمان الاحتلال اليمني بين أرشيف الجمهورية القديمة وواقع الجنوب الجديد
في مشهدٍ سياسي يثير أكثر من علامة استفهام، يعود الحديث مجدداً عن مجلس النواب اليمني، ذاك الكيان الذي تجاوز عمر انتخابه ربع قرن، ولم يعد من وجوده سوى الاسم وبعض المقاعد الفارغة التي تذكّر بزمن قد مضى.
حيث تغريدة ساخرة نشرها الناشط والمدوّن السياسي عبدالقادر القاضي “أبوالليم” على حسابه في تويتر كانت كفيلة بإعادة فتح هذا الملف المرهق، حين وصف مجلس النواب بأنه أرشيف متحرك وذاكرة نعي جماعية، مشيراً إلى أن ما يقارب 40% من أعضائه يعيشون اليوم تحت سلطة مليشيا الحوثي في صنعاء اليمنية ، و35% بلغوا سن الشيخوخة والعجز، بينما توفي 15% منهم دون أن تُجرى انتخابات تكميلية، فيما يتبقى أقل من مئة نائب مشتتين بين عواصم الخارج.
"مجلس بلا نصاب ولا شرعية"
في ظل هذا الواقع، تبدو دعوات رئيس المجلس سلطان البركاني لعقد جلسات في العاصمة عدن أشبه بمحاولات يائسة لإنعاش جسدا متحلل سياسياً . فالمجلس الذي انتهت ولايته وصلاحيته دستورياً منذ سنوات، لم يعد يملك أي شرعية تمثيلية أو سلطة فعلية، خصوصًا في محافظات الجنوب التي تمتلك اليوم مؤسساتها وهيئاتها المنتخبة، وتخضع لإدارة سياسية وأمنية مستقلة ضمن إطار المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي
ويقول مراقبون إن الحديث عن انعقاد البرلمان في عدن لم يعد يحمل أي مضمون مؤسسي، بل يهدف إلى تمرير نفقات وبدلات سفر، وإحياء حضورٍ رمزي لمؤسسة تآكلت شرعيتها مع الزمن، في حين أن الجنوب تجاوز تلك الحقبة، ويمضي في بناء كياناته التشريعية والإدارية وفق واقع جديد تفرضه الإرادة الشعبية الجنوبية.
"الجنوب خارج دائرة الوصاية"
منذ عام 2017 م، شهد الجنوب تحولات سياسية جذرية قلبت موازين القوى في المشهد اليمني .. فقد باتت العاصمة عدن مركز القرار الجنوبي، وبرز المجلس الانتقالي الجنوبي ككيان سياسي معترف به محلياً وإقليميا، استطاع أن يفرض حضور الدولة الجنوبية على الأرض، في حين بقي البرلمان اليمني عالقاً في “الزمن الجمهوري القديم”، عاجزاً عن التكيّف مع المتغيرات أو تمثيل إرادة المواطنين في الجنوب.
تؤكد مصادر سياسية جنوبية أن أي محاولة لفرض سلطة هذا البرلمان المنتهي الصلاحية على عدن أو محافظات الجنوب تعد انتهاكاً للإرادة الشعبية الجنوبية، لأن البرلمان الحالي انتُخب في إطار دولة الوحدة التي انتهت فعليا بانهيار مؤسساتها بعد حرب 2015، ولأن الجنوب اليوم يدير شؤونه عبر مؤسساته الأمنية والعسكرية والإدارية، بقيادة المجلس الانتقالي الذي يعبّر عن تطلعات الشارع الجنوبي نحو الاستقلال واستعادة الدولة.
"برلمان الماضي .. وواقع الجنوب المتجدد"
اللافت أن أغلب أعضاء البرلمان ممن يطالبون بعقد جلسات في العاصمة عدن لا يملكون القدرة على العودة إليها أو التحرك داخلها إلا بحماية القوات الجنوبية، ما يعكس المفارقة العميقة بين سلطة ورقية في المنفى وواقع ميداني تفرضه مؤسسات الجنوب.
كما ان الجنوب اليوم لا ينتظر تشريعا من مجلس منتهي الصلاحية، بل يصوغ مساره السياسي من خلال إرادة أبنائه، ومؤسساته، واستراتيجيته بقيادة الرئيس الزُبيدي نحو دولة فيدرالية جنوبية حديثة.
يُجمع المراقبون على أن نهاية مجلس النواب اليمني ليست مجرد حدث إداري، بل هي عنوان لمرحلة جديدة من إعادة تشكّل السلطة في اليمن عموما، وفي الجنوب خصوصًا فالجنوب لم يعد ساحة خاضعة لتشريعات تأتي من مؤسسات فقدت شرعيتها، بل أصبح محوراً لإرادة سياسية مستقلة تسعى لبناء دولة حقيقية قائمة على السيادة والتمثيل الحقيقي، في حين ظل برلمان الجمهورية العربية اليمنية مجرد ظلٍ لنظاما انتهى، يعيش على أنقاض ماضيه، ويُستدعى كلما احتاجت أطراف معينة غطاءً شكليا لمصالحها.
في المقابل، تمضي قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي بخطى ثابتة في تعزيز حضورها المؤسسي، وبناء هياكلها السياسية والتنفيذية والعسكرية، في انسجام مع تطلعات الشارع الجنوبي الذي يرى في الرئيس الزُبيدي رمزاً لاستعادة الكرامة والسيادة الجنوبية ، وبينما يتمسك برلمان الاحتلال اليمني بمقاعده الفارغة، يصنع الجنوب شرعيته الجديدة على الأرض، شرعية نابعة من الإرادة الشعبية والواقع الميداني، لا من قرارات متقادمة أو مؤسسات فقدت روحها منذ زمننا طويل.



