ما بعد كورونا .. كيف قيَّمت الجهات الصحية جهود التوعية بمخاطر الفيروس وأهمية اللقاح؟

تقرير/ مطيع بامزاحم

كانت التوعية بخطورة وباء كوفيد-19 وطرق الحماية منه وأهمية تلقي لقاحاته من أهم الأسلحة التي اتبعتها دول العالم لمجابهة الفيروس، لكن يرى مراقبون بأن حالة التوعية في بلادنا قد شابها شيء من القصور، رافقها منذ اكتشاف أول حالة لفيروس كورونا على مستوى المحافظات اليمنية في الـ10 من إبريل 2020م، في مدينة الشحر بمحافظة حضرموت، مروراً بالموجات الثلاث التي أعقبتها خلال العامين 2020م، و2021م، وصولاً إلى مرحلة تلقي اللقاحات الخاصة به. وفي التقرير اليومي الصادر عن الإدارة العامة للترصد الوبائي في وزارة الصحة العامة والسكان في عدن الصادر بتاريخ الـ21 من يناير الجاري، ذكر بأن تراكمي حالات فيروس كوفيد-19 المبلَّغ عنها قد بلغت 35994 حالة، بينما بلغ تراكمي الحالات المؤكدة مخبرياً 11971 حالة، فيما بلغ تراكمي الوفيات للحالات المؤكدة 2159 حالة، ووصل تراكمي حالات تحت العلاج 674 حالة، بينما بلغ إجمالي حالات الشفاء 9138 حالة، والمحافظات التي شملها هذا التقرير كانت محافظات عدن وحضرموت وتعز ولحج وأبين والمهرة وشبوة ومارب وسقطرى والبيضاء والحديدة والضالع فقط، أي تلك المحافظات التي تقع كلها أو أجزاء منها تحت سيطرة حكومة الشرعية. أرقام قد تكون أكبر بكثير على أرض الواقع، فالأزمة التي تمر بها البلاد وحالة الصراع المتفاقم منذ العام 2015م، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وعجز المواطن عن تأمين احتياجاته اليومية، وضعف الأجهزة الحكومية وعلى رأسها القطاع الصحي، كلها أسباب تؤكد على حجم المشكلة التي تشبه جبل الجليد العائم وسط المحيط، لا ترى منه إلا قمته فقط. عدم التزام ورفض تقول مديرة الترصد الوبائي والإنذار المبكر بمكتب وزارة الصحة العامة والسكان بساحل حضرموت، الدكتورة "رولا باضريس"، إن أهم الصعوبات التي واجهتهم خلال جائحة فيروس كوفيد-19 كانت تتمثل في "عدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية من قبل المجتمع، وعدم الاهتمام بلبس الكمامات في الأماكن العامة، ورفض الكثيرين لعمل المسحات وأخذ العينات من الحالات المشتبه بها، ورفضهم الإحالة إلى مراكز المعالجة، وعدم تقبُّل فكرة العلاج فيها، ووصول الكثير من الحالات إليها وهي في وضع حرج بسبب الخوف من الرقود، رغم وصول الرسالة للمرضى بأهمية الرقود والإحالة لمركز المعالجة، وانتشار كثير من الشائعات حول فيروس كورونا ولقاحاته". ضعف الإمكانيات يؤكد الدكتور "سعيد بافطيم"، المدير الإداري لمستشفى الدكتور رياض الجريري للحميات سابقاً، أحد المراكز التي خُصصت لاستقبال ومعالجة الحالات المصابة بفيروس كورونا في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، بأن أبرز الصعوبات التي واجهتهم أثناء فترة عملهم في مجابهة الجائحة تتمثل في "ضعف النظام الصحي من الأساس، خصوصاً في جانب مكافحة الأوبئة والأمراض المعدية، وضعف التجهيزات الطبية وكل وسائل التعامل السليم مع المرض، وعدم تواجد الخبرات الوطنية الكافية في صياغة أساليب التعامل معه، وعدم إمكانية عمل الدراسات اللازمة والعاجلة، وإن وجدت كانت تُجرى بشكل بسيط وغير كافٍ، وعدم تواجد بعض التخصصات اللازمة لمواجهة المرض بأعداد كافية ومؤهلة كمتخصصين في الرعاية الحرجة والطوارئ، وردة فعل المجتمع وعدم التفاعل الجيد مع الجائحة، بل والتصادم وعدم تقبُّل حقيقة المرض، ناهيك عن اللقاحات، فكانت أي إجراءات أو برامج من شأنها الحد من المرض تُقابَل بالرفض من المجتمع، وانتشار العديد من الشائعات حول المرض واللقاح، وهذه الشائعات لقيت بيئة خصبة في الانتشار بين أوساط المجتمع، في ظل تواجد مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم التعامل الصحيح والسريع معها من قبل برامج التوعية والتثقيف الصحي". فيما يرى "خالد الكلدي"، مدير إدارة التثقيف الصحي بمكتب وزارة الصحة العامة والسكان بساحل حضرموت، أن أهم صعوبات واجهتهم خلال وضع وتنفيذ خطط التوعية خلال جائحة كوفيد-19، كان أبرزها تكذيب المجتمع بوجود اللقاحات، وعدم الاهتمام من قبلهم باتخاذ الإجراءات الاحترازية، وانتشار شائعات كثيرة تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي، وضعف التحرك من قبل المنظمات في حينها لمواجهة الوباء، وضعف أداء القنوات الإعلامية، والوصمة الاجتماعية التي واجهت المصابين أو المخالطين أو أسرهم، وإشاعات كثيرة تم تداولها حول اللقاحات وضررها على صحة الإنسان، وتضارب المعلومات العلمية من موقع إلى آخر، وكل ذلك ولَّد عدم ثقه لدى المجتمع في مصداقية المعلومات وصحتها". قوالب التوعية القوالب الإعلامية التوعوية التي تم استخدامها خلال الجائحة اقتصرت على الحشد المجتمعي لمنظمات المجتمع المدني ووضع المشكلة بشكل مباشر عليهم، كما أوضح ذلك الأستاذ "الكلدي"، الذي أضاف بأن هناك حملات تم تنفيذها بدعم من منظمة اليونيسف ووزارة الصحة تمت عبر عدة قوالب، مثل الحلقات الإذاعية والبث المتجول بالسيارات، والتوعية عبر المتطوعات والمتطوعين وأئمة مساجد، والمؤثرين، ونصب يافطات وبنرات في الشوارع والأماكن العامة، وتوزيع بوسترات ومطويات، وعقد الجلسات والحلقات التوعوية". دور ضعيف يرى الباحث في علوم الميديا والاتصال، "عبدالله باخريصة"، أن "دور الجهات الرسمية في التوعية لم يكن حسب المستوى المطلوب، وكان ضعيفًا"، ويضيف: "لكي نكون أكثر دقة وموضوعية، فأمر الضعف لا يقتصر على مكاتب الإعلام والتثقيف لوزارة الصحة اليمنية فحسب، بل على أغلب مكاتب الإعلام والتثقيف في الدول العربية". ويٰرجع الباحث "باخريصة" ذلك الضعف في مكتب الإعلام والتثقيف في اليمن إلى عدة أسباب منها: "عدم وعي القائمين على تلك المكاتب بالفيروس ودرجة خطورته أو سلميَّته قبل أفراد المجتمع، فهم أساسًا لا توجد لديهم أي بحوث أو دراسات عن خطر الفيروس من عدمه، ولذلك اتجه القائمون على تلك المكاتب الإعلامية والتثقيفية نحو تقليد الغير، سواء من الدول العربية أو الأجنبية، عبر نشر المنشورات أو فتح الصفحات الاجتماعية، أو عبر الإعلان في وسائل الميديا بكل أشكالها". وواصل الباحث "باخريصة" سرد أسباب الضعف قائلًا: "ومن أهم أُسس الضعف، أن الإحصائيات عن المصابين لم تكن دقيقة وواضحة، وهناك تهويل في حالة من يصاب بالفيروس، وهو ما ولَّد شعورًا بالخوف أدى إلى وفاة البعض، أو الكتمان لدى كافة أفراد المجتمع، وأصبح كل من يصاب ولو بانفلونزا خفيفة، ينفر منه المجتمع وكأن به جرباً، وكل ذلك للأسف يعود إلى نقطة مهمة، وهي ضعف الصحافة الصحية التي هي جزء من الصحافة العلمية، ودورها المهم في توعية المواطن بمثل هذه الأزمات، وتعطي طابعًا مهمًا أيضًا للجوانب البحثية والعلمية من قبل المختصين". تغيير أساليب التوعية يرى الدكتور "سعيد بافطيم" أن الإعداد الجيد قبل الإعلان عن أي برنامج توعوي يجب أن يتم فيه تحديد الفئات المستهدفة في البرنامج، واعتماد برامج خاصة لبعض الفئات، مثل نزلاء السجون والنازحين وغيرهم، وإعداد الكادر بشكل جيد ومهني للتعامل مع متلقِّي اللقاحات، وإعداد برامج ودوائر للتعامل مع الجوائح والكوارث والأزمات يتم فيها عمل كل الخطط اللازمة للتعامل معها، وتُدرج ضمن الدوائر العاملة في وزارة الصحة ومكاتبها في المحافظات، ويكون عملها الأساسي إعداد الخطط والبرامج للتعامل السليم مع الأزمات، ومن خلال هذه الدوائر يتم تجهيز الخطط والتعامل بشكل سريع وسلس في حالة حدوث الكوارث والأزمات الصحية". ويدعو الدكتور بافطيم إلى "تغيير أساليب خطط التوعية التقليدية عبر الملصقات والبوسترات وغيرها، وابتكار أساليب وقوالب جديدة لتوصيل المعلومة للمجتمع، وتنويع وسائل وقوالب التوعوية بعد أن يتم إعدادها وتنسيقها وفق عدة محاور، منها دراسة الفئات المستهدفة من حيث أعمارها ومستواها التعليمي وغيرها، وإشراك منظمات المجتمع المدني مع الجهات الحكومية الرسمية لكونها تتمتع بنفوذ ووصول كبير للفئات المستهدفة، وتنويع وسائل وقوالب التوعية بحسب نوع الجائحة، ووجود فريق تدخل سريع يتم إعداده مسبقاً للتعامل مع أي جائحة أو مرض". معارف لم تتحول إلى سلوكيات يصرُّ الأستاذ "فؤاد بامطرف"، مدير الرعاية الصحية الأولية بمكتب وزارة الصحة العامة والسكان بساحل محافظة حضرموت، "على عدم اقتناعه بوجود حالة من القصور في جانب العملية التوعوية والمعرفية"، ويعتقد بأن "المجتمع بشكل عام يعي أهمية اللقاحات ولكن كمعرفة فقط، ولم تنعكس تلك المعارف وتتحول إلى سلوكيات"، ويعترف "بامطرف" بأن "قدرات التثقيف المادية على مستوى المحافظات ضعيفة جداً، لكن التوعية بحاجة إلى تدخلات وفق دراسات تقيس المجتمع من الجوانب النفسية والسلوكية من أجل معرفة وتقييم الوضع وبناء أنشطه تتوافق ونتائج الدراسات، من أجل وضع تدخلات مناسبة لكل فئة من فئات المجتمع".