كيف يمكن للمجتمع الريفي تمويل مشاريعه ذاتيًا وتحسين مستوى معيشته
في منطقة مارادي وهي إحدى مناطق دولة النيجر الأفريقية التي يعيش سكان الريف فيها حالة فقر مدقع، تعمل منهجية مجموعات الادخار والتمويل الريفي في تنفيذ مشاريع مدرة للدخل للنساء الريفيات الأميات والأشد فقراً وتطويرها والاعتماد على الذات في تمويلها.
وتعرف المنهجية في مصر على سبيل المثال وهي احدى الدول الافريقية المستفيدة من المنهجية باسم "الجمعية" وهي آلية بنيت على الممارسات التقليدية غير الرسمية.
وتعتمد المنهجية على تعليم الفقراء كيفية ترشيد الانفاق والادخار بمبالغ صغيرة عن طريق شراء الاسهم التي لا تزيد عن مقدرة اقل شخص قدرة مالية، وبعد مدة قصيرة يمكن للاعضاء الحصول على قروض من صندوق الادخار الممول ذاتيا من مدخراتهم وانشاء مشاريع صغيرة.
وتتكون مجموعة الادخار من 15-25 عضوا.
ساهمت المنهجية بشكل ملحوظ في تحسين أوضاع الكثير من النساء الأميات والأشد فقراً، وذلك من خلال إقامة مشاريع إنتاجية مدرة للدخل.
وتطورت المنهجية عبر السنوات اللاحقة، حيث لم تعد مقتصرة على النساء او الذين يعانون الأمية، إذ أصبحت تستهدف النساء والرجال على حدٍ سواء الأميين منهم وغير الأميين، وتم تطبيق المنهجية في 26 دولة حول العالم منذ العام 1990م، واستفاد نحو 30 مليون شخص في أفريقيا من تلك المنهجية في غضون عشر سنوات.
في أفغانستان تم تطبيق ذات المنهجية، حيث نجحت في رفع مستويات الدخل للنساء والرجال في الريف من خلال تنظيم فقراء الريف في مجموعات ادخار طوعية تتألف من 15 - 25 عضو، وادخار مبلغ من المال بشكل دوري (أسبوعي - نصف شهري - شهري) لاستخدامه في تمويل أنشطة ومشاريع إنتاجية مدرة للدخل، تدار من قبل المجموعة نفسها.
ذات الحل أقل كلفة وأكثر سهولة من حيث إجراءات الحصول على التمويلات اللازمة لتأسيس مشاريع صغيرة، من تلك القادمة من المؤسسات المالية الرسمية التي لاتتوفر خدماتها في المناطق النائية والفقيرة، وتتضمن إجراءاتها وشروطها الكثير من التعقيد.
لاستخدام منهجية مجموعات الادخار والتمويل الريفي آثار اقتصادية واجتماعية وتنموية، فعلى الجانب الاقتصادي توفر دخل مستدام لأفراد المجتمع والعمل على تحسينه مع مرور الوقت، وعلى الجانب الاجتماعي تعمل على تقوية العلاقات والروابط الاجتماعية وتعزيز العمل الجماعي بين أفراد المجتمع، وعلى الجانب التنموي تؤدي إلى تحسين مستوى الحياة المعيشية والخدمات الصحية والتعليمية.
إجراءات معقدة
في اليمن يصعب استفادة الكثير من الفقراء ومحدودي الدخل من خدمات المؤسسات المالية الرسمية لتعقد إجراءاتها وشروطها. بحسب علي سعيد مزارع في ريف محافظة لحج.
يشجع خالد حسن باحث زراعي من محافظة شبوة، على تطبيق منهجية مجموعات الادخار والتمويل الريفي في المناطق الريفية بشبوة وعموم البلاد، ويقول إن هذه المنهجية ستقدم خدمات جليلة للاقتصاد الوطني من خلال تحقيق فائض في الدخل القومي، الذي بدوره يؤدي إلى اكتفاء المجتمع تدريجياً، ويغنيه عن الحاجة لطلب معونة او اقتراض.
ويرى خالد ضرورة نشر المنهجية وتحفيز المجتمع الريفي عليها نظراً لأهميتها ودورها في توفير التمويل اللازم لإقامة مشاريع مدرة الدخل، وحل كثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.
في حين عارض مواطنون بمحافظة عدن، خلال استطلاع رأي ميداني، هذا الأسلوب معتبرين ان البلاد تمر بحروب وأزمة اقتصادية خانقة وإن مبلغ الادخار سيكون الاحتياج له بشكل أكبر في شراء ضروريات الحياة، ورأى آخرون انه حل ممكن للاسهام في انشاء مشاريع مدرة للدخل وخلق العديد من فرص العمل.
تكاليف مرتفعة
لا تتوافر لدى المزارعين والمشاريع الريفية في اليمن الإمكانات للحصول على الخدمات المالية الرسمية.
وهناك ندرة في المعطيات المالية الملائمة والمؤسسات التمويلية السليمة والمستدامة لتقديم هذه الخدمات.
هذا الوضع ناجم عن ارتفاع تكاليف المعاملات التي تترافق مع ضآلة مقادير القروض وكثرة تجزؤ الأسواق المالية، مما يؤدي إلى صعوبة استفادة الكثير من محدودي الدخل في المناطق الريفية من خدماتها.
منهجية مجموعة الادخار وريادة الأعمال
في محافظة عمران - حليمة البالغة من العمر 35 عاما، تزهو بأنها تمتلك مزرعة صغيرة للدواجن في عزلة وادعة.
تضم مزرعتها التي أقامتها عام 2020م نحو 100 دجاجة وديك. وتقول رائدة الأعمال حليمة، وهي أم لخمسة أطفال، الآن، أصبحت المرأة تلعب دورا هي الأخرى في المسائل المالية للأسرة. فقد ولى الزمن الذي كانت حليمة فيه مجرد ربة منزل دون أي مصدر مستقل للدخل. لم يكن دخل زوجها، كأجير يومي، كافيا لتلبية احتياجاتهم الأساسية، لكنها لم تكن تستطيع مساعدته آنذاك.
في الريف اليمني، تتجنب المرأة العمل خارج المنزل خشية تعرضها للإقصاء. لكن أتيح لحليمة الخروج من فقرها بفضل "منهجية مجموعات الادخار والتمويل الريفي" في قريتها عزلة وادعة بمحافظة عمران. تقول حليمة وهي تتجول باعتزاز في مزرعتها، "أتذكر بعض الذين كانوا يقولون لي إن المرأة لا جدوى منها، لكنني لم أقبل هذا على الإطلاق. وراودني حلم بأن أقوم بالمزيد في حياتي وساعدتني "منهجية مجموعات الادخار والتمويل الريفي" على تحقيق ذلك."
تبنت قرية حليمة هذا النموذج وأنشأت مجموعات ادخار أصبحت حليمة عضوا فيها. وبوصفها عضوا، حصلت حليمة من المجموعة على قرضين قيمتهما 250 ألف ريال يمني.
بهذه القروض، أنشأت حليمة مزرعة للدواجن واشترت دراجة نارية لزوجها حتى يستطيع أن يعمل هو الآخر، حيث أصبح سائق أجرة، بينما ترعى هي الدواجن. تكمل حليمة دخل زوجها ببيع أربعين بيضة كل يوم وتحصل على 4 آلاف ريال يمني.
أمنت "منهجية مجموعات الادخار والتمويل الريفي" سبل الحصول على التمويل لتنفيذ المشاريع المدرة للدخل للملايين ممن يحاصرهم الفقر عبر العالم، حيث ساعدت الكثيرين، على بدء انشاء مشاريعهم المشتركة والخاصة، وتحقيق الاكتفاء.
تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي