كاتب بريطاني: مصر.. العودة إلى المستقبل

متابعات

http://www.masralarabia.com/images/thumbs/627/17963207621417536288-Selection_102.png

"اليوم، يقبع ميدان التحرير خاويا مثل مصر القلب النابض للعالم العربي، والتي أحيطت مجددا بالاستبدادية..الاستنتاج لوحيد الذي يمكن استنباطه من تجربة مصر يتمثل في أن الحركة الجماعية التي تطلب التغيير تكون حبلى بخطر نفاذ القوة الدافعة إذا فشلت في الخروج من حالة الأفكار المتنازع عليها، وظلت مشلولة بعدم التيقن من ماهية التغيير.وبكلمات أخرى، إذا لم تكن لديك استراتيجية، ستكون جزءا من استراتيجية شخص آخر".

جاء ذلك في سياق مقال مطول تحت عنوان "مصر..العودة إلى المستقبل" للكاتب جون وايت على موقع "روسيا اليوم".

وإلى نص المقال

اتضح الحد الذي وصل إليه تراجع الربيع العربي على نحو قاطع عبر القرار الأخيرة لمحكمة مصرية بإسقاط الاتهامات الجنائية ضد حسني مبارك.

ووسط الهتافات المدوية داخل قاعة المحكمة ومشاهد النشوة من قبل مجموعة صغيرة من مؤيديه خارجها، استقبل الديكتاتور الأسبق، 86 عاما، قرار المحكمة بينما يرقد على نفس المحفة التي كان عليها خلال السنوات الثلاث الماضية، التي قضى معظمها مسجونا داخل مستشفى عسكري بالقاهرة، في إطار عقوبة منفصلة بالحبس ثلاث سنوات في قضية قصور الرئاسة.

وبجانب سبعة مسؤولين تمت تبرئهم من ذات الاتهامات، تبدو تبرئة مبارك في قضية قتل المتظاهرين واتهامات فساد أخرى مثل شباك أغلق على تطلعات وآمال الملايين الذين شاركوا في الأحداث التاريخية لعام الثورة بالغ الأهمية.

وتحضرني كلمات منسوبة للزعيم الشيوعي الراحل لينين قال فيها: " هناك عقود لا يحدث فيها شي البتة، وأسابيع تشهد أحداثا توازي عقودا"..مثل هذه الحقيقة المستمرة تجلت خلال ثلاث سنوات تفصل الفترة الأكثر تقدما في التاريخ المصري الحديث، والمنطقة بأسرها خلال عقود والتي أعقبها فترة هي الأكثر رجعية.

سقوط مبارك عبر ثورة سلمية نسبيا عام 2011 كان ينبئ بفصل جديد بعد عقود من الديكتاتورية المتصلبة.

كافة الأطياف السكانية والأقليات الدينية والأعمار والطوائف خرجوا متحدين الخوف وجهاز أمن يشتهر بوحشيته، واحتشدوا في ميدان التحرير بوسط القاهرة.

وباتت تلك الأسابيع القليلة الثمينة بمثابة النقطة المحورية للعالم بأسره، والتي ترادف سلطة الشعب والتحول والأمل.

واليوم، يقبع ميدان التحرير خاويا مثل مصر القلب النابض للعالم العربي، والتي أحيطت مجددا بالاستبدادية.

وجه الراحة الضئيل، يتمثل في أن مصر، بعكس ليبيا وسوريا، لم تنزلق إلى هاوية من الفوضى والوحشية والعنف السرمدي.

لكن غياب الصراع لا ينبغي أن يختلط مع مع السلام، الذي يتحقق عندما تتحقق العدالة، ولا يمكن هنا أن ننكر أن أول حكومة منتخبة بتاريخ مصر، بقيادة محمد مرسي تم إسقاطها عبر وسائل غير ديمقراطية.

الاستنتاج الوحيد الذي يمكن استنباطه من تجربة مصر يتمثل في أن الحركة الجماعية التي تطلب التغيير تكون حبلى بخطر نفاذ القوة الدافعة إذا فشلت في الخروج من حالة الأفكار المتنازع عليها، وظلت مشلولة بعدم التيقن من ماهية التغيير.

وبكلمات أخرى، إذا لم تكن لديك استراتيجية، ستكون جزءا من استراتيجية شخص آخر.

الصفات ذاتها التي كانت مسؤولة عن نجاح الفصل المصري من الربيع العربي، وهي التوسع وعدم التجانس كانت هي ذاتها عناصر الفشل.

بزوغ الإخوان المسلمين ومحمد مرسي كمستفيدين في أول انتخابات ديمقراطية عام 2013 كانت تعكس ذلك الضعف.

لقد جسد ذلك رحلة مجتمع ينتقل من نظام فاسد وديكتاتورية علمانية سلطوية إلى حكومة منتخبة ديمقراطية، لكن يقودها أشخاص تتشكل رؤيتهم العالمية عبر نصوص دينية ترجع إلى القرن السابع الميلادي.

وما عضد من الأزمة في مصر كان اقتصاد أظهر للسياحة والاستثمارات الأجنبية اعتماده على النضوب، جراء الركود في النصف الجنوبي العالمي، بجانب الاضطرابات الناجمة من اضطرابات الأحداث بالداخل، بالإضافة إلى تأزم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي اشترط مقابل منح قرض لحكومة مرسي أن تقلص الحكومة الدعوم الحكومية المتعلقة بالفقراء، وهي نفس الشريحة السكانية التي يعتمد عليها بشكل كبير دعم الجماعة.

الاختيار بين الطبقة الوسطى لمصر، وبعض المجموعات الناقدة من الطبقة العاملة الفقيرة كان بسيطا، بين الوضع الراهن في عهد مرسي أو الجيش.

عبد الفتاح السيسي،قائد الجبش الذي وصل إلى مسرح تاريخ مصر، بزغ إلى السلطة عبر موجة ثانية من الاحتجاجات الشعبية عام 2013، كانت ضد مرسي والإخوان، في عملية تضمنت إلقاء مرسي في السجن، ثم تولى الرئاسة، في عملية اقتراعية شكلية، حملت قوة دافعة ووزن من الدعم الشعبي.

الشعب المصري ألقى نظرة خاطفة إلى المستقبل، وقرر أن الماضي هو الأفضل.

وفي ذات الأثناء استمرت الولايات المتحدة في منح مصر مصروف جيبها السنوي البالغ 1.5 مليار دولار مساعدات.

الديمقراطية، من وجهة نظر الولايات المتحدة، لا يمكن أن تأتي على حساب المصالح الذاتية التي تهتم بها واشنطن.

ومع اشتعال نطاق أوسع في المنطقة، وتحول الربيع العربي إلى شتاء،، فإن أولوية الغرب تتمثل في أن تهبط بسلام على صخور الهيمنة الغربية.

وفي سبيل تنفيذها لذلك، نفخ الغرب في لهيب الصراع والمذابح والفوضى، بما يجعل مصر تبدو وكأنها المدينة الفاضلة بالمقارنة، فعلى الأقل لا تزال القطارات تسير في مواعيدها.